U3F1ZWV6ZTU0ODU5NzAwMzQxMDI1X0ZyZWUzNDYxMDI0Mjc0MDc3OA==

العروس المختارة: [ الفصل السادس: لقد كنتِ أنتِ ]




الفصل السادس : لقد كنتِ أنتِ

----------------------------------{6}----------------------------------

السيد هارفي وجورجيا يشتركان في شيء واضح للغاية، صبرهما على ساعات التسوق الطويلة.

تنهدت فيوليت للمرة الألف وهي تنظر إليهما يتجادلان حول قطعة قماش ما، كيف لا يتأخذ الانسان قرارا وقد دخل لأكثر من عشرة محلات مختلفة؟ هذا شيء لم تستطع فهمه يوما.

استدارت جورجيا ونظرت إليها مطولا كأنها تطلب منها التدخل، لابد أنها بدأت تفقد السيطرة على صبرها مع إصرار السيد هارفي.

"سيد هارفي، أتسمح لي؟" قالت برقة بإبتسامتها المعهودة

"تفضلي"

"أعلم أنك تحب النظام وأن عينك معتادة على نمط معين وتُريحك الألوان التي تختارها وإنني حقا منبهرة من ذلك ولكن.. بعد الزواج، الآنسة جورجيا ستحتاج إلى إقامة حفلات للآنسات، ستستقبل ضيوفك أيضا بين الفينة والأخرى، سيكون لها دور كبير في إدارة القصر ويجب أن تظهر شخصيتها وتبرز أمام الناس، سيدة القصر انعكاس لك أيضا ولا يجب أن تكون ظلا لذوقك.. وإلا، لن يكون لها احترام ولا وزن ولا استقلالية"

هز رأسه إلى الجانبين وهو يبتسم، لقد أصبح معتادا على حديثها هذا، تُثني عليه ثم تستدرجه بحجتها دون تردد.

إلا أنه يستمع إليها فعلا، في ثنائها صدق وكلماتها تخلوا من التصنع ولهذا.. يلين.

"إذا؟" سأل مستمتعا وهو يعلم أن في جعبتها المزيد وفعلا لم تخذله وأكملت قائلة "القصر ضخم ولاحظت أنك بالكاد تزور الجناح الشرقي، إنه بعيد عن مكتبك، جناحك الرئيسي وحتى الحديقة والإسطبل الذي تستمتع بهما، معزول عن جناح الخدم أيضا، مكان مناسب ومثالي.. لم لا تتركه لها، الآنسة جورجيا لها ذوق رفيع رغم الاختلاف بينكما"

"آنسة فيوليت.. أنت مفاوضة بارعة" قال واستدار لينظر إلى جورجيا ثم أكمل "سأفكر في الأمر"

راقبت جورجيا الوضع بهدوء، لقد كانت معتادة على هذه المواقف فكثيرا ما تدع الحديث اللبق وتفسير الأسباب لفيوليت وما كانت لتشعر بشيء لولا حديثها الأخير مع والدتها، التي أدخلت إليها الشك.

هل يا ترى...

لا، هذا لا يعقل.. لقد كانت متأكدة من إعجاب فيوليت بالسيد كارلوس حتى لو لم تبح لها بذلك ثم إنها ذكية لتعرف أنه من المستحيل أن ينظر إليها السيد هارفي نظرا لنَقصها نسبا ومالا.

أكملوا التسوق وألتحقوا بالسيدة ريما التي رجعت إلى العربة قبلهم منذ زمن.

"أرماند" نطقت السيدة ريما ليلتفت إليها السيد هارفي بتركيز لتكمل "إنني أريد فيوليت في غرض ما، دعها تذهب معنا إلى القصر أولا"

تبادلت الآنستان نظرات سريعة، فيوليت بعينين متسائلتين عن غرض السيدة ريما، وجورجيا بدهشة خفية لم تُفلح ابتسامتها الهادئة في إخفائها. بدا لها الأمر غريبًا.. فمُرافِقَتُها تُطلب منها عادة، وكان من المفترض أن يُستأذن رأيها أولًا.


"طبعا، فلتنضمي لها آنسة جورجيا وبعدها إذهبا إلى المنزل معا" قال السيد هارفي لتُجيب جورجيا بابتسامة محسوبة وهي تصلح قفازها "لدي الكثير من العمل ينتظرني، ورغم أن فيوليت تساعدني كثيرًا إلا أنني لا أمانع ذهابها معكِ، سيدة ريما"

كلماتها خرجت لينة، لكن التعليق كان كافيًا ليكشف عن موقفها.

كانت جورجيا أول من نزل من العربة، فكان منزل آل مولير الأقرب فعلًا، وقبل أن تُغلق الباب خلفها، لمحت فيوليت لمحة غامضة في عينيها لم تفهمها تمامًا. بعد ذلك، واصلت العربة طريقها.

جلس الثلاثة بهدوء للحظات، ثم بدأت السيدة ريما تروي ما حدث معها قبل أيام، بأسلوب عفوي دفع التوتر والهدوء إلى الانكسار. ضحكت فيوليت بصدق، حتى اضطرت لأن ترفع يدها إلى فمها لتخفي قهقهة صغيرة، وقالت للسيدة ريما وهي تحاول ضبط نفسها "أرجوكِ، لا تحرجيني أكثر من هذا"

تتبع السيد هارفي القصة وهو ينظر إليهما من مقعده، يتنقل بنظره بين ريما والآنسة فيوليت وهما تتبادلان الضحك بخفة. لم تحظَ عربته يومًا بمثل هذه الحيوية.. إلى الآن.

أرخى كتفيه قليلًا، كأن وقع اللحظة سرق من صرامته المعتادة جزءًا خفيًا.

لقد كانت ريما محقة.

منحُ الآنسة فيوليت فرصة أخرى بعيدًا عن التحيز الأول الذي بدأ به معها كان قرارًا صائبًا. لم يَفُت عليه أيضًا كيف أن تدخلاتها الدقيقة تجعل علاقته بالآنسة جورجيا أقل توترًا وأكثر سلاسة.

"تفضلوا أنتم، لدي لقاء عمل مع التجار وبعدها الفلاحين لذا سأذهب الآن"

أعلن السيد هارفي بعد وصولهم إلى وانطلق إلى عمله.

"فيوليت!"

صوت عال ومليء بالنشاط صدح في رواق القصر، ومن غيره يأتي كالعاصفة

"كارميل، كم مرة نبهتك أن لا تناديها باسمها هكذا" قالت السيدة ريما وضربت كتفه بخفة ليعض على شفته ويعقب بحجته "لقد سمحت لي فيوليت بذلك وأنت أيضا تناديها باسمها.. هذه عنصرية"

"أمرك ميؤوس منه" قالت وهي تحرك رأسها إلى الجانبين بينما فيوليت تحاول قمع ابتسامتها العريضة.

لقد تكونت علاقة جيدة بينها وبين الخدم وعلى رأسهم كارميل الذي كان شخصية مميزة نادرا ما تقابلها، مليء بالإيجابية والسرور في كل ظرف، زمن ومكان.

"اجلب لنا بعضا من الشاي.. فلنذهب" وجهت السيدة ريما آخر كلمة لفيوليت لتذهبا معا لغرفتها.

"ما الذي يمكنني مساعدتك به؟" سأل فيوليت وهي تجلس على كرسي قرب المكتب.

"إنك أعلم بأعراض آنابيل ولك ذكاء وفطنة ملحوظة.. أريدك أن تبحثي معي في الكتب عن الأمراض التي تشمل أو بها غالب الأعراض التي تعاني منها طفلتي وحدديها معي لنُضيق البحث عن الدواء كنتيجة لذلك"

"طبعا!" أجابت فيوليت فور سماعها بطلب بالسيدة ريما وأمسكت يديها مجددا لتكمل "إنني أكثر من سعيدة لفعل ذلك، قراءتي سريعة وتركيزي جيد للغاية، أتركِي الأمر لي"

"إنك فتاة جيدة" قالت السيدة ريما وهي تنظر إلى وجه فيوليت بملامحها الجميلة الهادئة.

"هذا لطف منك، دعيني أبدأ إذا"

.
.
.

"هل تحتاجون شيئا آخر؟" قال السيد هارفي وهو ينفض يديه من الغبار الذي التصق بهما عندما كان يعاين البذور التي ستزرع هذه السنة.

لقد كان يقف مع إثني عشر فلاحا تم انتخابهم ليكونو الصلة بين السيد هارفي وبقية العمال.

"قد نحتاج عددا من اليد العاملة زيادة عن السنة التي مضت" قال ألفريد كملاحظة

"سأضع ذلك في الحسبان وأرسل لكم كارلوس ليرى مطالبكم مرة في الشهر وإن احتجتم إلى شيء وكان مستعجلا فأرسلوا في طلبي كالعادة" قال السيد هارفي كآخر أوامر له ليصافحهم جميعا وينطلق إلى القصر.

.
.
.

"عُنقي..." تمتمت فيوليت وهي تمرر أصابعها ببطء على موضع الألم. لم تدرك كم مضى من الوقت وهي غارقة بين صفحات الكتب الثقيلة، لكن تيبّس جسدِها أخبرها أن الساعات لم تكن قليلة.

رفعت رأسها لتأخذ استراحة قصيرة، وبدأت عيناها تتجولان في أرجاء الغرفة. الضوء الخافت يتسلل من النافذة العالية، والغبار يلمع كخيوط رفيعة في الهواء. رائحة الورق القديم امتزجت بشيء من عطر السيدة ريما الذي بقي عالقًا في الأثاث.

أدركت فجأة حجم الثقة التي منحتها لها السيدة ريما، أن تتركها وحدها في غرفة شخصية كهذه. تلك الفكرة وحدها جعلت الأفكار تتناوب عليها بعشوائية، كأنها تمسك بخيوط مسرحية لم تخطط أبدًا لأن تدخلها.

حين بدأت لعبتها مع جورجيا، لم تكن تتخيل أنها ستُحاصر يومًا بندم ثقيل كهذا. القصر لم يعد مجرد واجهة فاخرة بعيدة، بل مكانًا يُعرّي الوجوه ويُسقط الأقنعة التي اعتقدت أنها ثابتة.

السيد هارفي، مثلاً… لم يكن ذلك الرجل الجامد، المتعجرف كما صورته الإشاعات. بل على العكس، لم يبدُ أنه يحتقر أحدًا، وإنما يختار بعناية الأشخاص الذين يسمح لهم بالاقتراب.

نعم، كانت نظرته إلى الفقر قاسية، لكنها لم تعد تراها مجرد تعالٍ منه بل هناك شيء آخر خفي، يُحرّك تلك النظرة، شيء لم تكتشفه بعد.

ارتسمت ابتسامة ساخرة صغيرة على طرف شفتيها من دون أن تدري، فهي التي كانت تظن بكل ثقة أنه إنسان سهل القراءة.

انساقت أفكارها نحو السيد كارلوس وزاد ارتباكها أكثر، لوقت طويل ظنت أنه مختلف عن بقية رجال هذا العالم، فقد أعجبت بتواضعه حين رأت كيف يتطوع في الميتم ويعامل الأطفال بلطف. لكنها الآن، بعد أن سمعت من السيدة ريما وبعض الخدم أن الأمر لم يكن مبادرة شخصية منه بقدر ما كان جزءًا من الدور الذي أوكله إليه السيد هارفي ضمن مسؤولياته.

ولم تكن هذه الحقيقة وحدها ما يزعجها، بل ملاحظتها مؤخرًا أنه إنسان رتيب لا يخرج عن نطاق العمل والمنزل. وضعت يدها على قلبها بمرارة فلا تستطيع لومه حتى، هي التي بنت له شخصية فارغة داخل عقلها وكان هذا خطئها.

ما نهاية هذا الأمر؟ هل كل ما فعلته كان له هدف حتى؟

وجدت نفسها تتمسك بخيط آخر من المنطق. نعم، ربما لم يكن كل شيء كما اعتقدت، لكن الأمر يستحق ما فعلته، لأنها على الأقل سوف تنعم بعيشٍ كريم في هذا القصر وستنعدم المضايقات التي تتلقاها في منزل آل مولير وحتى جورجيا لن تستطيع معاملتها بحده، لا أمام الناس ولا في الخفاء.

فُتح باب الغرفة لكنها لم تستدر، ظنّت أنّها السيدة ريما، لذا بادرت بالكلام "إليكِ البشرى، لقد أكملت كتابًا كاملًا وأخفضت عدد الأمراض إلى خمسة من أصل ثلاثة وعشرين"

قوبلت كلماتها بصمت غريب، فاستدارت لتجد السيد هارفي واقفًا عند الباب المفتوح، وعلى وجهه نظرة لا تبشّر بالخير.

"ما الذي حدث؟" سألت فورًا، لكنه ظل صامتًا. وبعد ثوانٍ طويلة، دخل وأغلق الباب وراءه، فارتجف قلبها واشتدّت قبضتها على الكرسي.

وضع يديه خلف ظهره وبدأ يتمشّى ببطء نحوها، عيناه مثبتتان عليها، التزمت فيوليت الصمت، وكل نفسٍ منها صار أثقل من الذي سبقه.

"لقد كنتِ أنتِ" قال فور وصوله إليها، نظر إليها من الأعلى ببرود شديد جعلها تبلع ريقها بصعوبة.

"ل-لم أفهم" 

"بلى، لقد فهمتِ.." أجاب محتفظا بنفس هدوءه ثم أكمل "من اكتشف اللوحات في الحفل.. من يتدخل لينقذ الموقف كل مرة.. لقد كنتِ أنتِ آنسة فيوليت"

خرج منها نفس مرتعش، وعلمت أنها لتوّها استلمت جواب سؤالها.

هذه النهاية.

تعديل المشاركة Reactions:
author-img

DarkStar Stories / قصص النجم الأسود

لا تسطع النجوم إلا في سماء مظلمة و ما أنا إلا نجم متفجر في سمائي الخاصة، مرحبا بك في سمائي و تعال معي لنسطع معا
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة