U3F1ZWV6ZTU0ODU5NzAwMzQxMDI1X0ZyZWUzNDYxMDI0Mjc0MDc3OA==

العروس المختارة: [ الفصل الأول: الخبرالمنتظر ]



الفصل الأول : [الخبر المنتظر]



السلام عليكم يا معشر القارئات الجميلات ♥️
أسعد الله أوقاتكن، كيف حالكن؟ إن شاء الله كلكن في أمان الله ورحمة.

إستمتعوا بالفصل ♥️

-----------------------------------{ 1 }--------------------------------

كان الزمن البعيد، تحديدًا عام 1670، حيث لا وسيلة للتواصل إلا برسائل تُكتب بأنامل دقيقة، تسافر عبر المسافات وتحتاج أياما لتصل إلى الوجهة.

في قلب قصره الذي يضج بالفخامة ويئن من صمت الوحدة، كان يجلس السيد هارفي خلف مكتبه العريض، الهواء حوله مشبع برائحة الورق، الكتب والرماد الذي خلفته النار التي احترقت البارحة داخل المدفئة.. لف بعناية رسالته داخل مغلف راقي، ثم ختمها بختمه الذهبي الذي يحمل أول حرف من اسمه.

لم يعُد القصر يكفي ليحجب عنه شعور الفراغ، فالقصر ورغم كبره وجماله، لم يعد يُجيد إخفاء الوحشة التي تسكنه. لذلك، وبعد سنوات من العزلة المتعالية، قرر أخيرًا أن...يتزوج، وكانت المدينة بأكملها تنتظر هذا القرار كما ينتظر الجائع فتات المائدة.

فقد كان السيد هارفي المرشح المثالي... في نظر المجتمع على الأقل. وسيم، يملك حضورًا لا يُخطئه أحد، متحدث بارع، موسيقي مميز، وقبل كل شيء، لقد كان ثريا... ثراء فاحش جعله محط أنظار الجميع.

لكن خلف هذا الكمال السطحي، كان إنسانا باردا، تشعر بجانبه بالإنطفاء وقد كان يحمل ازدراءً عميقًا للفقراء، يراهم سبب بلائهم، لا يفقه لمعاناتهم معنى، ويرى في الفقر خيارًا لا قدرًا.. فمن لم يصبح غنيا، لم يبذل مجهودا كافيا بكل بساطة وليس له سوى نفسه للومها وقد كان معروفا بهذه النظرة داخل المجتمع المخملي ولطالما كان موضوعا وسط أكواب الشاي.

أصدر أمره لخادمه بإيصال الرسالة إلى قلب المدينة، دعوة مفتوحة لأغنياء المدينة فقط، لحضور حفلة سيُعلن فيها عن عروسه والتي سيختارها بعد اجتياز مجموعة من "الاختبارات".

"خذ هذه الرسالة، أنشرها وسط المدينة ودع الناس تتداولها"

ذهبَ الخادم جريا إلى وسط المدينة و قام بكسر الختم أمام أعين الناس ليعلموا أنها رسالة حقيقية و كتبها سيده بقلمه. 

"إن سيدي لديه خبر للجميع" قال وشرع في قرأ الرسالة "مساء الخير،اليوم و بعد اكتفائي الذاتي الذي دام لسنوات قررت أخيرا...الزواج، سأقيم حفلا ضخما في قصري و به ستكون اختبارات كثيرة يجب أن تمر منها كل فتاة والتي ستتجاوزها كلها، ستكون زوجتي المستقبلية

"لقد انتظرت هذا اليوم طويلاً"، قالت جورجيا وهي تتفقد وجوه الناس التي تقف وسطهم بانتصار بعد سماعها مضمون الرسالة ثم أكملت "سأحمل لقب السيدة هارفي دون أدنى شك! جمالي، شهرة عائلتي، دون ذكر ثقافتي ورصيدي المعرفي، كل هذا سيوصلني إلى المكانة التي أطمح إليها"

أخذت تمشي في السوق بخطى واثقة، بين أقمشة الحرير وأحاديث التجار.. ابنة أحد أشهر تجار الحرير، بشعرها الملفوف بعناية ومجوهراتها المختارة بدقة وإلى جانبها خادمتها، تمشي صامتة، ترتدي عباءة سوداء تخفي أكثر مما تُظهر.

"بجمالك وثقتك، لا شك أنك ستفوزين به" قالت الخادمة بابتسامة هادئة، لكن عيناها كانتا تريان ما لا يُقال، إنها تعرف جورجيا عن ظهر قلب وتراها في بعض الأحيان تتحدث كثيرًا لتلفت الانتباه، وتبالغ في تحركاتها، بينما المعرفة التي تتباهى بها لا تتعدى حدود ما لُقِّنَ لها، فإن الثقافة والدراسة شيء، والتعلم شيء آخر.

عادتا إلى المنزل مساء ذلك اليوم، تحملان معهما إلى جانب الفساتين والعطور...الخبر، أعلمت جورجيا والديها بما دار وسط المدينة بصوت مشحون بالحماس "سأتزوجه، لقد قضيت سنوات أتدرب لأجل هذا"

وفي الحقيقة ثقتها لم تكن من الفراغ، جورجيا قضت سنوات تعمل مع والدها وتدرس بجد واجتهاد في مجالات مختلفة، فقط ليأتي يوم توظف فيه كل ذلك لتصل إلى السيد هارفي، عيبها الوحيد كان جزءا من شخصيتها والذي إن استطاعت اخفاءه، قد تنجح فعلا في المهمة.

كان الحفل في نهاية الأسبوع، يوم الأحد تحديدًا. التحضيرات تمت في سرية بين خدم القصر لمدة شهر  ولكن لثقة هذا الرجل العجيبة بنفسه، لم يُعلن عنه سوى يوم الخميس، وكأن المدينة بأسرها ستتجمّع على كلمة منه... وقد فعلت.

مرّ اليومين قبل الحفل بسرعة، تركض من متجر إلى آخر، تجرّ خلفها أقمشة لفساتين جورجيا، صناديق أحذية، علب مجوهرات، وتعليمات لا تنتهي.

أما هي، فٱختارت فستانا أسودا قديما من فساتين جورجيا، قُدّر له أن يُلبَس من جديد، كان ذهابها حتميا فكل خادمة ترافق سيدتها.

اقترحت جورجيا أن يغطيا وجهيهما بثوب رقيق يناسب لون فستانيهما، مدعيةً أنه يُضفي سحرًا لا يُقاوَم على المرأة وهكذا إنتهت تحضيراتهما.

رغم سخافة الحفل بالنسبة لها وهدفه الذي أقل ما قد يقال عنه، أنه إهانة في نظرها للنساء.. لكنها كانت ستستمتع برؤية العديد من الفتيات يتبارين للفوز برجل! ورؤية شخص محدد أيضا وإن حدث وفازت جورجيا فإنها من المؤكد ستأخذها معها بعد الزواج وهذا.. كان هدفها الأسمى.

ثم أتى اليوم الموعود وتوقفت العربة أمام القصر، نزلت وعينيها تتفقد كل زاوية، لقد كانت تقف أمام أجمل حديقة رأتها طوال حياتها، بساط أخضر من الربيع وزهور بألوان متناسقة، أشجار متعددة كل قطعة تكمل الأخرى وتتوسطها نافورة كبيرة تلتف حولها أزهار بيضاء وكأنها قطعة خيالية وليست واقعا. 

المكان كان يعجّ بالبشر... سيدات من كل أطراف المدينة، عائلات ثرية تمسك بدعوات ذهبية مختومة بالختم الملكي، كأنها جواز عبور إلى عالم لا يُسمح للفقراء بدخوله.. لأنها وللأسف لا زالت تعيش في زمن تُحَدد فيه القيمة وتقمع فيه الكرامة تحت إسم الطبقة.

"لا تلفتي الإنتباه، أدخلي وابقي هادئة الى حين ذهابنا وإن احتجتُ شيئا عندها سأُناديك" قالت جورجيا بهدوء وأضافت والدتها بإستياء "لا أعلم لم تصرين على اختيارها كخادمة، والدك يستطيع تدبير خادمة تدربت على هذا العمل"

لم تعلق جورجيا بشيء وإنتهى الحوار قبل أن يبدأ، وحدها تعلم لمَ تصر على ذلك والأمر يصب في صالحها طبعا، أعادت نظرها نحوها مرة أخرى وأكدت على كلامها "لا تنزعي الرداء عن وجهك ولا أريد سماع أي تدخل أو تعليق كيفما كان.. إلا للضرورة

تبادلتا نظرات مفهومة بينهما ثم توجهوا إلى داخل القصر.

أعينها العسلية كانت تنظر في كل مكان تحاول قدر الإمكان تذكر كل ما هو أمامها الآن لتُعيد رسمه بريشتها البالية التي رفضت السيدة ليديا أن تغيرها لها.

كل الآنسات كانت ترافقهن الخادمات وأغلبية الخادمات في فساتين بسيطة ولفات شعر شبه موحدة تعرف بها من أول نظرة أنهن خادمات.

صوت الموسيقى كان هادئا ومناسبا للخلفية، ظلت وراء جورجيا و والدتها بينما يلقون التحية طوال حوالي نصف ساعة بأكملها ثم فجأة هب صمت عجيب على القاعة عندما وقف رجل في الشرفة العلوية المطلة على البهو الفسيح حيث الحفل.

"سيداتي الجميلات، دعوني أخبركن أن سيدي سيشرف القاعة بحضوره بعد نصف ساعة... استمتعن بالرقص في هذه الأثناء."

وما إن أنهى الخادم حديثه حتى ارتفعت الأصوات من جديد، ضحكٌ وحديثٌ وموسيقى تُعيد الصخب إلى القاعة.

أما هي، فقد كان الملل ينهش دقائقها، فاختارت أن تلجأ إلى ما تتقنه جيدًا..مراقبة الناس. كانت تمتلك تلك القدرة الغريبة على قراءة لغة الجسد والتقاط حركات الشفاه، كأنها تشاهد مشاهد صامتة تكشف لها أسرارًا لا تُقال.
عيناها لا تفوّتان شيئًا، وكل ما يقع تحت نظرها يرسخ في ذاكرتها كأنها التقطت له صورة لا تُمحى.

لم تكن تملك في جعبتها أي موهبة تُذكر. لم تتلقَ التعليم المناسب، ولا تتقن الطرز، ولا تعرف شيئًا عن ركوب الخيل أو الحساب أو اللغات أو الأدب... لكنها كانت تملك شيئَين فقط، دقة الملاحظة، والرسم.

وهذان وحدهما، كانا عزاءها الوحيد في هذه الحياة.

"اذهبي حيث الخادمات، ولا تقتربي من أي امرأة... هل هذا واضح؟" جاء أمر والدة جورجيا حادًا، قبل دقائق من ظهور السيد هارفي.

"أجل، واضح"، أجابت بهدوء، وفي سرّها كانت ممتنة لذلك، ستتمكن أخيرًا من تأمل اللوحة الكبيرة المعلقة وسط القاعة، تلك التي أثارت فضولها منذ اللحظة الأولى.

تقدّمت بخفة نحوها، وعيناها متسعتان بدهشة طفولية، كانت اللوحة ضخمة، معقدة التفاصيل، تخطف الأنفاس بجمالها، لم ترَ في حياتها المتواضعة شيئًا بهذا المستوى من الإبداع.

مدّت أصابعها الصغيرة نحو طرف الإطار، تلمسه برفق، مأخوذة بما رأت، لكن ما شدّها أكثر لم يكن الألوان أو تناغم الأشكال، بل ذلك الوجه الباكي المختبئ بمهارة خلف القناع. لم يكن واضحًا للعين العادية التي ستنظر بسطحية، بل مدفونًا بين الظلال والخطوط، ولو لم تكن عيناها بهذه الحدة، لما لاحظته مطلقًا.

كانت غارقة تمامًا في التفاصيل حين خيّم صمت مفاجئ على القاعة مرة أخرى ولم تدرك أنه وقف على الشرفة يتأمل المدعوين.

سحبت يدها وأكملت الطريق نحو المكان الذي تقف فيه الخادمات غير مبالية بنظرته التي سقطت عليها، هي التي كانت تقف أمام أحد أهم لوحاته، بهيئتها الغريبة.

لم تكن سوى ثانية من الزمن، نظر فيها إليها ثم أشاح بصره عنها... لكن، كم من ثانية وحيدة كانت كفيلة بتغيير سنوات بأكملها.

--------------------------------------------------------------------------

كان هذا الفصل الأول، أتمنى أنكن استمتعتن به ❤️❤️

تعديل المشاركة Reactions:
author-img

DarkStar Stories / قصص النجم الأسود

لا تسطع النجوم إلا في سماء مظلمة و ما أنا إلا نجم متفجر في سمائي الخاصة، مرحبا بك في سمائي و تعال معي لنسطع معا
تعليقات
تعليقان (2)
إرسال تعليق
  1. قريت الرواية فاش كانت فلواتباد ودب فاش عاودت الفصل الحماس من جديد بحال أول مرة ربي يوفقك راكي غادا مزيان💜💜💜💜

    ردحذف
  2. البارت روعة تسلم أناملك

    ردحذف

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة