الفصل الخامس : التفاصيل
السلام عليكم يا معشر القارئات الجميلات ♥️
أسعد الله أوقاتكن، كيف حالكن؟ إن شاء الله كلكن في أمان الله ورحمة.
إستمتعوا بالفصل ♥️
-----------------------------------{ 5 }--------------------------------
"سيد هارفي"
استدار ليجد الآنسة فيوليت أمامه وعلى وجهها الدهشة والتعجب "هل طرقت الباب ولم أسمعك يا ترى؟"
"كلا، لم أفعل"
"أعتذر على المشقة التي سببتها لك وأشكرك على العناية التي تلقيتها" قالت ونظرها معلق على الأرضية بينما يدها لا زالت تمسك بمقبض الباب.
"السيدة ريما قالت أنك تحتاجين إلى الراحة آنسة فيوليت"
كان صوته هادئا وقد فقد الآن البرود والاقتباض الذي أبداهما فيه من قبل، ابتلعت ريقها وبدأت حديثها الذي فكرت فيه مليا منذ دخلت من الحديقة إلى الآن.
"سيد هارفي، إنني لا أحب أن يبقى توتر بيني وبين شخص ما.. إنني إنسانة حساسة تجاه المواقف السلبية وربما لو تحدثت بالصراحة التي سأتحدث بها الآن، ما كان سيحدث ما حدث"
رفعت رأسها أخيرا لتنظر إليه، ولم يكن في عينيها حقد ولا كره، لم يجب بشيء لكنه لم يقاطعها أيضا لذا أكملت "تلك الليلة، كنت أعلم أن وجودي لن يكون أكثر من لوحةٍ ستُعرض عليك لترى إن كانت تُناسب ذوقك أم لا، وثقتي بأنني سأستطيع تحمل ذلك.. كان خطئي"
أخذت نفسا ووضعت يدها على صدرها تُحاول تهدأت الغصة التي بدأت في التكون ثم قالت "إنني ورغم مكانتي المتواضعة لم يتم احتقاري يوما، ليس في وجهي على الأقل..لقد كنت أعلم أن بضعة أجوبة سطحية لن تُقنعك، فأنا أعلم أنك رجل فطن وصريح، لكنني عندما وُضعت أمام الأمر الواقع تأذيتُ بالفعل، ظننت أنني سأقف بنضج أمام الماضي، لكنني لم أكن أكثر من الطفلة الصغيرة التي فقدت كل شيء ذاك اليوم المشؤوم.. ولهذا أسألك أن تتفهم موقفي، حتى لو كنت أقل شئنا من أ-"
أوقفتها يده التي وُضعت على أعلى رأسها، فتصلّبت مكانها كتمثال هش، واتسعت عيناها على آخرهما، تتساقط منهما الدموع حتى تضببت الصورة أمامها.
"لم يكن مقصدي إحتقارك بتاتا.. إنني أعرف كل شيء عن كل شخص في قصري، اسعى للمثالية وأنا رجل حذر ولي أسبابي في حذري لكن يبدو أنني لم آخذ بعين الإعتبار ألمك كوني لم أكن أعلم بماضيك.. إنني أقبل إعتذارك وفلنتجاوز ما حدث"
ربت على رأسها مرتان وسحب يده ببطء، لا زالت الدموع تنساب على وجهها بحرية ورغم ذلك لم يصدر ولا صوتٌ واحد من فمها، تراجع خطوة إلى الوراء واحتراما لها لم يرد أن يقف هنا ويحرجها أكثر من اللازم.
"إنني سآخذهم في جولة صغيرة داخل القصر.. ارتاحي قليلا في هذه الأثناء" قال واستدار ليذهب تاركا إياها خلفه.
دخلت إلى الغرفة وجلست على السرير لا تعلم كيف تتعامل مع كل ما حدث، لابد أن السيد هارفي يقدر السيدة ريما كثيرا.
أجل، لقد سمعت كل ما دار بينهما.
ربما لهذا أعطاها فرصة ثانية، لكن الطريقة التي ربت بها على رأسها توحي بشيء آخر أيضا.. وإن كانت متأكدة من حقيقة ثابتة، كانت أنها ستعيش بكرامة هنا.
.
.
.
"تفضل" قال كارلوس ووضع أمام أرماند أربع ملفات على مكتبه
"ملف لكل فرد، وواحد خاص بعمل السيد لورانس" شرح بهدوء قبل أن يسند ظهره إلى الكرسي وقد بدا عليه التعب.
لم يمد أرماند يده نحو الأوراق، بل شبك أصابعه ونظر إلى صديقه مطولًا، ثم سأل "ما رأيك إذن، كارلوس؟"
"الآنسة جورجيا" بدأ كارلوس بلهجة متأنية، "نبيلة محترمة، اجتماعية، تحضر الكثير من الحفلات. مُلمة بالأعمال التجارية ولها بعض المواهب الخاصة. بوجه عام، هذه صورة جيدة لصاحبة القصر"
"سيدة القصر" صحح أرماند ثم أضاف "مستقبليا"
"صحيح.. شخصيتها قوية، سُلطوية في بعض المواقف التي نُقِلت إلي، متفاخرة بنفسها لكن عامة، جديرة كزوجة"
لم يرى كارلوس شيئا آخر يضيفه عن الآنسة جورجيا لذا انتقل ليتحدث عن والدها مباشرة
"السيد لورانس، بدأ عمله بشراكة مع صديقه السيد آرثر، والد الآنسة فيوليت.. السيد آرثر يَشترك مع إبنته في المصير فقد كان وحيد والديه أيضا وكلاهما متوفيان.. ظلا على شراكة حتى وفاة السيد آرثر، تحت ظروف غامضة"
تشاركا نظرة بينهما وعقد أرماند حاجبيه ليسأل "ظروف غامضة؟"
"أجل. يُقال إنه تعرّض لحادث مؤسف وضاعت معه البضائع، لكن ما يثير التساؤل أنه بعد موته، ظهرت في محلات السيد لورانس شحنة من الأثواب، لم يُعرف من أين اشتراها، ولا من أين جاءت أصلًا لكنها كانت تُطابق تلك التي ضاعت"
كان يعلم ما الذي يريد كارلوس أن يلمح به وأومأ دون أن يضيف أي تعليق.. ليس الآن على الأقل.
"زوجته السيدة ليديا" أضاف كارلوس بنبرة محايدة "نبيلة أيضًا، من العائلة نفسها، إنها ابنة عمه"
"ولدينا الآنسة فيوليت" قال كارلوس واستقام قليلا في جلسته ليكمل "تكفل بها السيد لورانس بعد وفاة والدها، على الرغم من أن السيدة ليديا لم تُعرف بحنانٍ زائد، إلا أن الفتاة كبرت بسلام، من دون فضائح تُذكر أو أخبار سيئة"
مال قليلا إلى الأمام واختار أن يُضيف المزيد "الآنسة فيوليت معروفة برقتها، ولطفها في التعامل، تعرف كيف تُساير الناس والمواقف بسلاسة ومن ما وصلني فهي فعلا إختارت أن تكون مرافقة للآنسة جورجيا، لها طابع هادئ وكبرياء ملحوظ"
طرق بأصابعه على واجهة المكتب وابتسم ليكمل "إنها تتطوع في الميتم أيضا، لكن ما شدني كثيرا هو ذكائها ودقة ملاحظتها العالية.. إنها معروفة وسط المجتمع بذلك، تتهافت عليها الآنسات في الحفلات عند اللعب، كيفما كانت اللعبة، الآنسة فيوليت تفوز فيها عن جدارة واستحقاق"
استمع إليه أرماند باهتمام، ثم حمل الملف الخاص بالآنسة فيوليت ليفتحه أولًا.. فضوله غلبه، وأراد أن يرى ما الذي يجعلها محطّ إعجاب الجميع بهذا الشكل.
توقّف عند سطرٍ ما، ثم رفع حاجبه قليلًا وقال "الحمامة؟"
ضحك كارلوس، وأجاب وهو يحرّك يده بخفة "أجل، اسم أطلقه الأطفال عليها"
لكن أرماند لم يبتسم وارتسمت على ذهنه كلمة أخرى تمامًا.
الغراب.
هكذا ناداها في الحفل، والاسم التصق بها في خياله. من فستانها الأسود إلى شعرها القاتم ونظرتها الحادة التي لا تشبه البقية.. كل ذلك كان يليق بالغراب أكثر من الحمامة.
قرأ بقية الأسطر بتمعّن، لقد كانت شخصية شيّقة في الحقيقة، لكن ما لفت انتباهه أكثر هو أنها لم تُشارك يومًا شيئًا خاصًّا بها. كأنها تعرف الكثير عن الناس، بينما هم لا يعرفون عنها شيئًا يُذكر.
ابتسم عقب ذلك، هذا مثير للإهتمام.
.
.
.
"ما الذي تعرفينه عن هذا الأمر؟" سألت جورجيا وهي تعدل الأقراط على أذنيها
"السيد هارفي يحب المثالية، إذا تداخل ذوقك مع ذوقه سيختار ما يُريده لذا من الأفضل أن تعرفي ما يُفضله من الآن" قالت فيوليت وهي تنظر إلى عدَّة رسمها الجديدة والتي أخذتها كمقابل من جورجيا.
"وهل لديك دراية عن ذوقه؟"
"طبعا، ما الذي تظنينني كنت أفعله مع خدمه وسط المطبخ و داخل القصر طوال الشهرين الماضيين!"
لقد مر الوقت بسرعة كبيرة ورغم مرور شهرين لا زال السيد هارفي لم يقم حفل خطوبة رسمي للآن.
"رغم فخامة القصر، إلا أن السيد هارفي لا يميل إلى المبالغة في الزينة أو الألوان. كل شيء عنده محسوب بعناية، متناغم ومترابط، كما لو كان القصر لوحة واحدة"
أخبرها كارمل أنه يختار كل شيء بنفسه، نظرا لعلاقاته التجارية لابد أن الأمر أكثر سهولة بالنسبة له.
"يفضّل أن تسودَ كل جناح درجاتٌ محددةٌ من الألوان تكمل بعضها، الأبيض والعاجي مع لمسات ذهبية في الصالات لتضفي إشراقة ملكية، البني والرمادي الدافئ في المكاتب لإحساس بالثبات والتركيز، والأخضر العميق أو الأزرق الملكي في الردهات الهادئة لتضفي عمقًا وهدوءًا على المكان. حتى الأواني والأثاث ليسا استثناءً.. فإما ذهبي مع أبيض أو فضي مع كحلي، وكل قطعة تختار بعناية لتنسجم مع المحيط"
ثم ابتسمت كأنها فخورة بما اكتشفته لتكمل "أما عن ملابسه.. فهو صارم أكثر مما تظنين، لا يشتري إلا ما يُفصَّل له خصيصًا، بأقمشة عالية الجودة من إنجلترا أو إيطاليا ولا يخرج عن أربعة ألوان أساسية.. الأسود، الرمادي الداكن، الأزرق الكحلي، والبني الترابي. كل شيء عنده له غاية ووزن، حتى البذلة التي يرتديها لا تكون مجرد ثوب، بل انعكاس لصورة يريد أن يفرضها"
"لا يُستهان بك أبدا" قالت جورجيا وهي تنظر إليها، لقد كان لفيوليت إجابات عن كل سؤال كانت تطرحه عليها وللآن تفاجأها بالتفاصيل
"لا يهمني ما يرتديه هو، لكنني سأكون سيدة القصر ويجب أن أرتاح وسط قصري"
""نصيحتي ألا تثيري جدالًا الآن. انتظري حتى تتزوجي.. حينها يمكنك التعديل كما تشائين. أما الآن، فاستفزازه لن يجلب لكِ أي فائدة" قالت فيوليت ثم توقفت عن الحركة للحظة وقد تسلل إليها شعور خفي بعدم الارتياح، لقد كانت جملة إستغلالية بحثة ولكنها تركت الكلمات كما هي، دون تصحيحها.
"صحيح، إنك على حق" قالت جورجيا متفقة معها وعلى وجهها ابتسامة كبيرة.
"آنستي" ظهرت الخادمة من وراء الباب لتعلن عن وصول السيد هارفي، فاليوم سيذهبان معا ومعهم فيوليت ليختاروا بعضا من الزينة لحفل الخطوبة الذي لا زال لم يوضع له يوم معين.
توجهتا معا وأمام المنزل عربة السيد هارفي، كان يقف أمامها باستقامة كعادته، في أبهى حلة.
"مساء الخير" قال بإيماءة صغيرة، ومدّ يده أولًا لجورجيا، ثم لفيوليت، التي فوجئت بوجود السيدة ريما داخل العربة.
"السيدة ريما!" نادت فيوليت بإشراق عندما رأتها لتبتسم لها السيدة ريما في المقابل "فيوليت.. آنسة جورجيا"
السيدة ريما تَمَسَّكتْ بالرسميات مع جورجيا ولكنها بسرعة استسلمت لإصرار فيوليت التي تواجدت معها كثيرا في الشهرين الماضيين.
"كيف حال أنابيل؟ هل تحسنت حالتها؟" سألت فيوليت وهي تمسك بيد السيدة ريما بينما جلس السيد هارفي جانب جورجيا مقابلا لهن
"حالتها مستقرة" قالت باختصار وكان هذا كافيا لتعلم فيوليت أنها لم تتحسن بعد.
لابد أن الأمر صعب عليها، فبعد كل شيء أنابيل كانت الطفلة الوحيدة للسيدة ريما.
"أرجوك لا تترددي في طلب أي مساعدة كانت" قالت فيوليت بصدق لتُربت على يدها وتقول "سأفعل ذلك"
نظرت جورجيا إليهما بهدوء، كان يجب أن تُعلق هي الأخرى بشيء ما، فقد نصحتها فيوليت بالاقتراب من السيدة ريما مراراً كونها مربية السيد هارفي لكنها لم تجد الفرصة أبدا.
"أتمنى لها الشفاء العاجل" قالت أخيرا بعد مدة قصيرة من التردد
"شكرا لك"
لم يكن السوق مكتظاًًّّ وبقدر ما رغبت فيوليت في التجول هي الأخرى إلا أنها كانت مضطرة للبقاء معهم، شخصية جورجيا تُقلِقُها كثيرا، كأنها نسيَتْ يوم أخبرها السيد هارفي أنه قد يفسخ الخطوبة في أي وقت، أصبحت تتصرف كأنها زوجته بالفعل وتظهر منها نفس الحدة التي تتعامل بها مع الخدم في منزل آل مولير، ظنت أن ثقتها بنفسها لن تتعدى حدود المقبول.. كم مرة إضطرت لإنقاذها إلى الآن؟ لقد تعد تحصي.
تداوُلُ الناس أنباء الخطوبة لا يعني شيئا للسيد هارفي أبدا، هذا ما أدركته فيوليت بعد أن أتيحت لها فرصة ملاحظته شخصيا والحديث معه عدة مرات ورؤية تعاملاته عن قرب.
شعرت أنها تهورت كثيرا... أكثر مما ينبغي.
--------------------------------------------------------------------------
وهذا كان الفصل الخامس.
هل يا ترى أي من التفاصيل قد تغير شيئا في المستقبل؟
أتمنى أن الفصل نال إعجابكن، دمتن بخير ♥️


إرسال تعليق